Monday, December 23, 2013

الـلـغـة الـعـربـيـة بـلا مـعـلـّم (1)



الـلـغـة الـعـربـيـة  بـلا مـعـلـّم  (1)
وقفت مرةً ببابِ مكتبة أتا مَّلٌ معروضاتها، فأخذت عينى كتبيا صغيرا يعلّم الآجانب اللغة العربية بلا معلّم، فراعتني هذه الجرأة، وتمثل لخاطري ما يكابده الأساتذة من العناء في تدريس هذه اللغة، بل نحن اللذين نزعم أنفسنا أدباء شعراء من الجهد. لاأطيل. اشتريت الكتاب بثمن غال ثم انتحيت ركنا في قهوة ورحت أقلّبه فاذا هولا أكثر من ألفاظ ومحادثات باللغة الإنجليزية وما يقابلها با للغة  العربية . فتحسرت على ما بذلت فيه وساءلت نفسي ماذا أصنع به ؟ كيف أعوّض خسارتي ؟
والله أكرم من ان أنتزع منه متعة لا أظن مصريا غيري حلم بها او طمع فيها. ذلك أني فرضت - جدلا- اني واتخذت هذا الكتاب مرشدا لي وقلت ((فلأتقيّد بجمله وعباراته في المحادثات التي اضطرّ اليها في تجوالي في المدينة )) ولما كنت "سائحا" وشوارع المدينة  متداخلة تضلّ الغريب فقد وجب – طبقًا لمشورة الكتاب – ان أركب عربة وان أحتمل هذا الترف الضروري. ففتحت الصفحة الثانية عشرة حيث الحديث مع سائق العربة ودنوت من الموقف وأشربت بعصا اشتريتها خصّيصا لهذه المناسبة السعيدة وصحت بلسان ملتو فعدا السائق بجواديه اليّ . فلما صار اليه رأسي  وقلت ره ها ت أربه .
فكأني لطمت الرجل على وجهه . فانطلق يمطرني وابلا من الكلام لم أفهم كما هو المفروض إذا كنت غريبا عن هذه الديار . ولكنّي تبينت من لهجة الرجل  وإشاراته انّ المعا ني جميلة جدّا وانّ جملتي راقلته كما لم يرقه شيء في حياته .
وعدت الى الكتاب أستمليه الجملة الثالثة لعلّها تحلّ الإشكال فقلت (يا أربجي  انت فاضي ؟)  فرماني بنظرة مغيظة لم أدرما سببها، ثم رفع بظره وكفيّه الى السماء ، ثم صاح بالناس  فالتفّ حولي  منهم  اثنان  كلّمني  أحدهما با لفرنسية فهززت له رأسي ، فخاطبني با ليونانيّة  فظللت أهزّ له رأسي ، فجرّب الثا ني الإيطالية  فأ شرت له بإصا بعي أن لا وخفت أن يطول الأمر فرددت عليه بالإنجليزية فاستغرب وجعل يؤفعني ويخفضني بعينيه . وأوجز فأ قول اني حسما للنزاع وقلت للسا ئق – بعد أن تجاوزت عن جملتين من الكتاب –(طيب إذهب بي الى المحطة ) فا نطلقت العربة .و بد يهيّ اني كنت أؤثر مكانا آخر ولكني كنت مقيّدا بالكتاب فلمّا انتهينا  لم أنزل وصحت به – نقلا عن مرشدي – (كم تريد أجره  لك؟)  وكان ينبغي أن يقول –طبقًا للكتاب-ولكنّه طلب نصف ريال فدهشت وبحث في غلاف الكتاب عن
تا ريخ طبعه فألفيته 1926فقلت لنفسي لعلّ الأجور ارتفعت في هذه البلد بعد صدورالكتاب.وكان علّي  أن أناقشه كما يحتمّ الكتاب فقلتُ(لا هذا كثير)وكان ينبغي أن يكون ردّه على ملاحظتي غير أنّه بدلا من أن يفعل ذلك مضى يشتمني ويسبّني ويلعن لي آبائي وجدودي وهو آمن مطمئن الى جهلي بلغته البذيئة على الاقل . فلم أرمناصامن أن أعدّ لعناته مرادفة للردّالواجب ونقلت له من الكتاب (ستّة قروش بيضاء فقط) فرماني باللعنات والشتائم ثم قال .
ففهمت لأنها من الكتاب وتجاوز عن على اعتبارٍ أنها على الأرجح  كلمة شكرأو دعاء وناولته القروش الستّة البيضاء.وإذا به يثب الى الأرض ويجذبني من جيب سترتي ويصبّ عليّ من السباب ما يكفي شعبا بأسره جيلاً كاملاً.فما أشدّ إسرافه، قاتله الله. وتنازعني الضحك والغضب والخوف ولكنّي ضبطت عواطفيٍ وصوّبت عيني الى الكتاب ثمّ رفعت له وجهي وقلتٌ (خذني الى القشلة)فقال:  يا خبرأسود،يا ناس ،تعالوا انظروا هذاالذي يريد ان يدّعي انّي كسّرته هكذا ممّا يستطيع القارئ ان يتصوّر ولاحاجة بنا الى  وصفه.
ولم أدّع أنا شيئا من هذا، ولاخطرالي أن أفعل،ولكنّه الكتاب استوجب منّي أن أذهب الى القشلة بعد أن حملني الى المحطة ولاموجب لهذا ولا ذاك ولكن هكذا شاء فكان ما أراد فرأيت الأفضل أن أنتقل الى الجملة التي تلي (القشلة)فقلت(طيّب اعمل فسحة في البلد) فلم يدر أيثم أم يضحك،وبعد أن تأمّلني قليلا قال.
وبينما كان هو يصعد الى مقعده كنتُ أنا أترجّل فالتفت الّي مذهولاً، فأنقدته اقروش العشرة وقلت له بلغته لامؤاخذة لقدكنت أمزح فحار كيف يعتذر عن شتائمه ولعناته . سأجرب فضل الكتاب في نزهة أخرى استخلاصاً لحقّي.

No comments:

Post a Comment